فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وماذا عليهم}.
قد تقدم الكلام على نَظِيرتِها، و{ماذا عليهم} استفهام بمعنى الإنكار.
قال القرطبي: ما: في موضع رفع بالابتداء، وذا خبره، وذا خبره، وذا بمعنى الَّذِي، وهذا يحتمل أن يكُون الكلام قد تَمَّ هنا، ويجوز أن يكونُ {وماذا} اسمًا واحدًا، ويكون المَعنى أي: وأيُّ شيء عليهم في الإيمانِ باللهِ، أو ماذا عَلَيْهم من الوَبَال والعَذَابِ يَوْم القِيَامَة.
ثم استأنف بقوله: {لَوْ آمَنُواْ} ويكُون جَوَابُهَا مَحْذُوفًا، أي: حصلت لهم السَّعَادة، ويحتمل أن يَكُون تمام الكَلاَم بـ {لو} ومَا بَعْدَها، وذلك على جَعْل {لو} مصدريَّة عند من يُثْبِتُ لها ذلك، أي: وماذا عليهم في الإيمان، ولا جَواب لها حينئذٍ، وأجاز ابن عطيَّة أن يَكُون {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} جواباُ لـ {لَوْ}، فإن أراد من جهة المَعْنَى فمُسلَّمٌ وإن أرادَ من جهة الصِّنَاعة فَفَاسِدٌ؛ لأن الجواب الصِّنَاعي لا يتقدّم عند البَصْرِيِّين، وأيضًا فالاستفهام لا يُجَاب بـ {لو}، وأجاز أبُو البَقَاء في {لو} أن تكُون بمعنى إن الشَّرطيّة؛ كما جاء في قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221] أي: وأيُّ شيءٍ عليهم إن آمَنُوا. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
قيل: وتضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبلاغة والبديع.
التكرار وهو في: نصيب مما اكتسبوا، ونصيب مما اكتسبن.
والجلالة: في واسئلوا الله، إن الله، وحكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، وبعضكم على بعض، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
وقوله: {لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله} و{قرينًا وساء قرينًا}.
والجلالة في: مما رزقهم الله، وكان الله.
والتجنيس المغاير في: حافظات للغيب بما حفظ الله، وفي: يبخلون وبالبخل.
ونسق الصفات من غير حرف في: قانتات حافظات.
والنسق بالحروف على طريق ذكر الأوكد فالأوكد في: وبالوالدين إحسانًا وما بعده.
والطباق المعنوي في: نشوزهنّ فإن أطعنكم، وفي: شقاق بينهما ويوفق الله.
والاختصاص في قوله: من أهله ومن أهلها، وفي قوله: عاقدت أيمانكم.
والإبهام في قوله: به شيئًا وإحسانًا، وما ملكت فشيوع شيئًا وإحسانًا وما واضح.
والتعريض في: مختالًا فخورًا.
أعرض بذلك إلى ذم الكبر المؤدّي للبعد عن الأقارب الفقراء واحتقارهم واحتقار من ذكر معهم.
والتأكيد بإضافة الملك إلى اليمين في: وما ملكت أيمانكم.
والتمثيل: في {ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا}.
والحذف في عدّة مواضع. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحيي بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالًا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون. فأنزل الله فيهم {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} إلى قوله: {وكان الله بهم عليمًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {الذين يبخلون} قال: هي في أهل الكتاب، يقول: يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان.
وأخرج ابن جرير عن حضرمي في الآية قال: هم اليهود، بخلوا بما عندهم من العلم، وكتموا ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {الذين يبخلون...} الآية. قال: نزلت في يهود.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {الذين يبخلون..} الآية. قال: هؤلاء يهود يبخلون بما آتاهم الله من الرزق، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب إذا سئلوا عن الشيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئًا، فعيرهم الله بذلك فأنزل الله: {الذين يبخلون...} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} قال: هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هم أعداء الله أهل الكتاب، بخلوا بحق الله عليهم وكتموا الإسلام ومحمدًا وهم {يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس قال: البخل: أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشح. أن يشح على ما في أيدي الناس، يحب أن يكون له ما في أيدي الناس بالحل والحرام لا يقنع.
وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن عبيد. أنه قرأ {ويأمرون الناس بالبخل}.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن يعمر، أنه قرأها {ويأمرون الناس بالبخل} بنصب الباء والخاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار. أن ابن الزبير كان يقرأها {ويأمرون الناس بالبخل} بنصب الباء والخاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} قال: نزلت في اليهود. اهـ.

.تفسير الآية رقم (40):

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ من توبيخهم قال معللًا: {إن الله} أي الذي له كل كمال، فهو الغني المطلق {لا يظلم} أي لا يتصور أن يقع منه ظلم ما {مثقال ذرة} أي فما دونها، وإنما ذكرها لأنها كناية عن العدم، لأنها مثل في الصغر، أي فلا ينقص أحدًا شيئًا مما عمله، ولا يثيب عليه شيئًا لم يعمله، فماذا على من آمن به وهو بهذه الصفة العظمى.
ولما ذكر التخلي من الظلم، أتبعه التحلي بالفضل فقال عاطفًا على ما تقديره: فإن تك الذرة سيئة لم يزد عليها، ولا يجزي بها إلا مثلها: {وإن} ولما كان تشوف السامع إلى ذلك عظيمًا، حذف منه النون بعد حذف المعطوف عليه تقريبًا لمرامه فقال: {تك} أي مثقال الذرة، وأنثه لإضافته إلى مؤنث، وتحقيرًا له، ليفهم تضعيف ما فوقه من باب الأولى، وهذا يطرد في قراءة الحرميين برفع {حسنة} أي وإن صغرت {يضاعفها} أي من جنسها بعشرة أمثالها إلى سبعين إلى سبعمائة ضعف إلى أزيد من ذلك بحسب ما يعلم من حسن العمل بحسن النية {ويؤت من لدنه} أي من غريب ما عنده فضلًا من غير عمل لمن يريد.
قال الإمام: وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية، وهذا الأجر إلى السعادات الروحانية {أجرًا عظيمًا} وسماه أجرًا- وهو من غير جنس تلك الحسنة- لابتنائه على الإيمان، أي فمن كان هذا شأنه لا يسوغ لعاقل توجيه الهمة إلا إليه، ولا الاعتماد أصلًا بإنفاق وغيره إلا عليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو حيان:

ومناسبة هذه لما قبلها واضحة لأنه تعالى لما أمر بعبادته تعالى وبالإحسان للوالدين ومن ذكر معهم، ثم أعقب ذلك بذم البخل والأوصاف المذكورة معه، ثم وبخ من لم يؤمن، ولم ينفق في طاعة الله، فكان هذا كله توطئة لذكر الجزاء على الحسنات والسيئات فأخبر تعالى بصفة عدله، وأنه عزّ وجل لا يظلم أدنى شيء، ثم أخبر بصفة الإحسان فقال: {وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} وضرب مثلًا لأحقر الأشياء وزن ذرة، وذلك مبالغة عظيمة في الانتفاء عن الظلم البتة. اهـ.

.قال الفخر:

الذرة النملة الحمراء الصغيرة في قول أهل اللغة.
وروي عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها، ثم قال: كل واحد من هذه الأشياء ذرة و{مِثْقَالَ} مفعال من الثقل يقال: هذا على مثقال هذا، أي وزن هذا، ومعنى {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أي ما يكون وزنه وزن الذرة.
واعلم أن المراد من الآية أنه تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرًا، ولكن الكلام خرج على أصغر ما يتعارفه الناس يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا} [يونس: 44]. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} المثقال مفعال من الثقل، ويطلق على المقدار المعلوم الذي لم يختلف كما قيل: جاهلية وإسلام وهو كما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أربعة وعشرون قيراطًا، وعلى مطلق المقدار وهو المراد هنا ولذا قال السدي: أي وزن ذرة وهي النملة الحمراء الصغيرة التي لا تكاد ترى.
وروي ذلك عن ابن عباس وابن زيد، وعن الأول: أنها رأس النملة، وعنه أيضًا أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه فقال: كل واحدة من هؤلاء ذرة، وقريب منه ما قيل: إنها جزء من أجزاء الهباء في الكوة، وقيل هي الخردلة، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي داود في [المصاحف] من طريق عطاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ مثقال نملة ولم يذكر سبحانه الذرة لقصر الحكم عليها بل لأنها أقل شيء مما يدخل في وهم البشر، أو أكثر ما يستعمل عند الوصف بالقلة، ولم يعبر سبحانه بالمقدار ونحوه بل عبر بالمثقال للإشارة بما يفهم منه من الثقل الذي يعبر به عن الكثرة والعظم كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} [القارعة: 6] إلى أنه وإن كان حقيرًا فهو باعتبار جزئه عظيم، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف كالمفعول، أي ظلمًا قدر مثقال ذرة فحذف المصدر وصفته، وأقيم المضاف إليه مقامهما، أو مفعول ثان ليظلم أي لا يظلم أحدًا أو لا يظلمهم مثقال ذرة.